“النحل والإشعاعات: حقيقة أم خيال؟ أسباب تراجع أعداد النحل بين العلم والمخاوف”
هل الهواتف تساهم في اختفاء النحل؟ بين الشائعات والحقائق العلمية
في السنوات الأخيرة، ظهرت شائعات عديدة تدّعي أن الإشعاعات الناتجة عن الهواتف المحمولة وأبراج الاتصالات
قد تكون سببًا رئيسيًا لانخفاض أعداد النحل في العالم. هذه الشائعات لاقت رواجًا واسعًا، خاصة مع ازدياد الوعي
بأهمية النحل في تلقيح المحاصيل ودوره الحيوي في النظام البيئي. ولكن، ما حقيقة هذه الادعاءات؟ وهل
الإشعاعات الصادرة عن الهواتف المحمولة بالفعل تساهم في اختفاء النحل؟ دعونا نستكشف هذا الموضوع
بتفصيل أكبر.
“إذا اختفى النحل من وجه الأرض، فلن يتبقى للإنسان سوى أربع سنوات للعيش.” ألبرت أينشتاين
مصدر الشائعات: لماذا يتهم البعض الهواتف؟
بدأت الشائعات عندما أشارت بعض الدراسات الصغيرة إلى أن التعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية يمكن أن
يؤثر على نظام الملاحة الداخلي للنحل، مما يعيق قدرته على العودة إلى الخلية بعد جمع الرحيق. هذا الخلل
قد يؤدي إلى ظاهرة تُعرف بـ “اضطراب انهيار المستعمرة” (Colony Collapse Disorder)، حيث يغادر النحل خلاياه
ولا يعود، مما يؤدي إلى انهيار الخلية بأكملها. ومع ذلك، فإن هذه الدراسات غالبًا ما كانت تتم في ظروف مختبرية
شديدة الخصوصية ولا تعكس بالضرورة الواقع الطبيعي الذي يعيش فيه النحل.
ماذا يقول العلم؟ الأدلة غير قاطعة
عند النظر إلى الأبحاث العلمية حول تأثير الإشعاعات الكهرومغناطيسية على النحل، نجد أن الأدلة لا تزال غير
حاسمة. بعض الدراسات أظهرت تأثيرات طفيفة، مثل تغييرات في سلوك النحل أو اضطرابات في نمط الطيران،
لكن هذه التأثيرات لم تكن كافية لإثبات أن الإشعاعات هي السبب الرئيسي لانخفاض أعداد النحل على نطاق
واسع.
من ناحية أخرى، العديد من العلماء يؤكدون أن هناك عوامل أخرى أقوى وأكثر تأثيرًا على صحة النحل واستقراره،
مثل:
فقدان المواطن الطبيعية:
النحل يحتاج إلى بيئات مليئة بالأزهار لتوفير الغذاء. ومع التوسع العمراني والزراعة المكثفة، تقلصت هذه البيئات الطبيعية بشكل كبير، مما أثر على قدرة النحل على البقاء.
استخدام المبيدات:
المبيدات الحشرية، وخاصة “النيونيكوتينويدات”، لها تأثيرات سلبية كبيرة على الجهاز العصبي للنحل، مما يؤدي
إلى ضعف قدرته على التنقل والتكاثر.
تغير المناخ:
ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في أنماط الطقس أدت إلى اضطرابات في مواسم الإزهار والنباتات التي يعتمد
عليها النحل، مما يزيد من صعوبة الحصول على الغذاء.
هل يمكن للإشعاعات أن تؤدي دورًا في مشكلة النحل؟
بينما لم يتم إثبات تأثير الإشعاعات بشكل قاطع، فإن ذلك لا يعني أن هذه الإشعاعات لا يمكن أن تكون جزءًا
من المشكلة. البعض يرى أن الإشعاعات قد تكون عاملًا إضافيًا يُضاف إلى باقي العوامل التي تؤثر على صحة
النحل. ومع ذلك، فإن تأثيرها بالمقارنة مع العوامل الأخرى مثل فقدان المواطن والمبيدات يُعتبر طفيفًا.
الخلاصة: بين الشائعات والواقع
بناءً على المعلومات الحالية، من غير المنطقي تحميل الهواتف المحمولة وأبراج الاتصالات المسؤولية الكاملة عن
انخفاض أعداد النحل. الشائعات قد تكون نابعة من خوفنا من التكنولوجيا الحديثة، ولكن الحقيقة العلمية تشير إلى
أن العوامل البيئية والمبيدات وتغير المناخ تلعب أدوارًا أكبر في تدهور أعداد النحل.
لذا، في الوقت الذي يجب علينا فيه الاستمرار في دراسة تأثيرات التكنولوجيا على البيئة، علينا أيضًا التركيز على
الأسباب المعروفة والمثبتة علميًا وراء تدهور أعداد النحل، والعمل على توفير بيئات آمنة وصحية له للبقاء والازدهار.