بلقيس حكاية الحزن والشعر في حياة نزار قباني
“أيتها الشهيدةُ.. والقصيدةُ.. والمطهَّرةُ النقيَّةْ”
“يا أعظمَ المَلِكاتِ.. يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السُومَرِيَّةْ”
“بلقيسُ.. يا وجعي.. ويا وجعَ القصيدةِ حين تلمسُها الأناملْ”
قصيدة “بلقيس” هي إحدى أشهر القصائد التي كتبها الشاعر السوري نزار قباني، وهي قصيدة تعبر عن
حزنه العميق وألمه إثر فقدان زوجته بلقيس الراوي، التي قتلت في تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981.
تعتبر هذه القصيدة من أكثر الأعمال المؤثرة في أدب قباني، حيث تجسد مشاعر الفقد، الحزن، والحنين بطريقة
عميقة ومؤثرة.
خلفية القصيدة
تزوج نزار قباني من بلقيس الراوي في عام 1973، وكانت بلقيس تُعتبر ملهمته، ورفيقة دربه. لقد كانت حاضرة
في العديد من قصائده، وأثرت بشكل كبير على تجربته الشعرية. عندما قُتلت بلقيس في الحادث الإرهابي
الذي وقع في السفارة العراقية، شعر نزار قباني بصدمة نفسية عميقة، واعتبر أن خسارتها جرح لن يلتئم أبداً.
مضمون القصيدة
تبدأ القصيدة بتساؤل نزار قباني الحائر حول من قتل بلقيس، ثم ينتقل إلى استعراض حزنه الشديد وكيف أثرت
تلك المأساة على حياته. يُحمّل قباني المجتمع العربي المسؤولية بطريقة غير مباشرة عن موت بلقيس،
ويتحدث عن الظلم والقسوة اللذين يواجههما الإنسان في العالم العربي. القصيدة تتسم بالصدق والشجن،
وتعبر عن فقدانه العميق لزوجته ومعاناته جراء الحروب والعنف الذي طال حتى الأشخاص الذين يحبهم.
كلمات القصيدة
كلمات قصيدة “بلقيس” لنزار قباني:
شُكراً لكم..
شُكراً لكم..
فحبيبتي قُتلت.. وصار بوسعكم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت..
وهل من أمةٍ في الأرض..
إلا نحنُ.. نغتالُ القصيدة؟
بلقيسُ..
كانتْ أجملَ المَلِكاتِ في تاريخ بابلْ
بلقيسُ..
كانت أطولَ النَخلاتِ في أرض العراقْ
كانتْ إذا تمشي..
ترافقُها طواويسٌ..
وتتبعُها أيائِلْ..
بلقيسُ.. يا وجعي..
ويا وجعَ القصيدةِ حين تلمسُها الأناملْ
هل يا تُرى..
من بعد شَعرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ؟
يا نينوى الخضراء..
يا غجريَّةً
تسرقُ البُخورَ من الكنائسِ
وتَزرعُهُ في شَعرِها
يا مَنْ تحدَّيتِ النجومَ ترفعاً..
من أينَ جئتِ بكلِّ هذا العنفوانِ؟
من أينَ جئتِ بكلِّ هذا العِطرِ يا قَمَرَ الزمانِ؟
بلقيسُ..
أيتها الشهيدةُ.. والقصيدةُ.. والمُطهَّرةُ النقيَّةْ
سبأٌ تفتِّشُ عن مليكتها
فردِّي للجماهيرِ التحيَّةْ..
يا أعظمَ المَلِكاتِ..
يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السُومَرِيَّةْ
بلقيسُ..
يا عصفورتي الأحلى..
ويا أيقونتي الأغلى..
ويا دَمعاً تناثرَ فوقَ خدِّ المجدليَّةْ..
بلقيسُ..
كانتْ أجملَ المَلِكاتِ في تاريخ بابلْ
بلقيسُ..
كانت أطولَ النَخلاتِ في أرض العراقْ
بلقيسُ.. يا وجعي..
ويا وجعَ القصيدةِ حين تلمسُها الأناملْ..
هل يا تُرى..
من بعد شَعرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ؟
هذه القصيدة تعكس مشاعر نزار قباني العميقة تجاه زوجته بلقيس الراوي، والتي فقدها في
تفجير السفارة العراقية ببيروت عام 1981.
السمات الفنية للقصيدة
اللغة والتعبيرات:
تتسم القصيدة بالبساطة والعفوية، إذ استخدم قباني لغة غنية بالمشاعر دون تعقيد، ما جعلها سهلة الوصول
إلى قلوب القراء.
الرمزية:
استخدم نزار قباني الكثير من الرموز في قصيدته، مثل “نينوى الخضراء” التي ترمز إلى بلقيس، و”السنابل”
التي تشير إلى الحياة والأمل.
الاستعارات:
تعتمد القصيدة على الاستعارة والتشبيه، حيث يصف قباني بلقيس بوصفها الشمس التي أشرقت في حياته،
والمصدر الذي يستمد منه الشعراء إلهامهم.
تأثير القصيدة
قصيدة “بلقيس” ليست مجرد قصيدة رثاء، بل هي صرخة ضد الظلم والقهر والدمار الذي يلحق بالبشر في
مناطق الصراع. وقد أثرت هذه القصيدة في الأدب العربي لكونها تمثل مشاعر شخصية وعامة في آن واحد،
حيث استطاع قباني أن يمزج بين الحزن الشخصي والمأساة الجماعية في قصيدة واحدة.
ختاماً
“بلقيس” تعتبر من أهم أعمال نزار قباني لأنها ليست فقط قصيدة رثاء لزوجته، بل هي أيضاً قصيدة احتجاج
على الظروف السياسية والاجتماعية التي أودت بحياتها. يجسد نزار في هذه القصيدة ألمه الخاص مع نقده
اللاذع للعالم العربي الذي لم يحفظ له حتى الأحبة.